استراتيجيات الصحة الرقمية ودورها في علاج الأمراض المزمنة
استراتيجيات الصحة الرقمية ودورها في علاج الأمراض المزمنة
استراتيجيات الصحة الرقمية ودورها في علاج الأمراض المزمنة
تعتبر الأمراض المزمنة، والتي تعرف أيضًا بالأمراض غير السارية (NCDs)، المسبب الرئيسي للوفيات على مستوى العالم والمسؤولة عن 41 مليون وفاة سنويًا، بما يعادل 74% من نسبة الوفيات عالميًا. وتشمل هذه الأمراض أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة والسكري. ولا تنتشر هذه الأمراض بشكل متساوٍ، إذ يقع على عاتق الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تحمل العبء الأكبر منها، ومن ثم، تتركز 77% من نسبة الوفيات في هذه المناطق.
ويصاحب الأمراض غير السارية آثارًا اقتصادية كبيرة ما يزيد الضغط على الأنظمة الصحية ويعوق التنمية الاقتصادية. كما ترتفع تكلفة علاج الأمراض المزمنة ومضاعفاتها وهو ما ينعكس على نفقات قطاع الرعاية الصحية والأعباء المالية التي تتحملها الأسر. فعلى سبيل المثال، وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، ستكلف الأمراض غير السارية الاقتصاد العالمي 47 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030 بسبب قلة الإنتاج وتكلفة الرعاية الصحية.
تسهم تقنيات الطب الإلكتروني في سد الفجوة بين المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية خاصة في المناطق النائية وتلك التي لا تتمتع بخدمات الرعاية الصحية الكافية. وتضمن مثل هذه التقنيات حصول المرضى على الاستشارات وخدمات المتابعة الصحية والنصائح الطبية من دون الحاجة إلى زيارات فعلية. ويمكن لمنصات الرعاية الصحية الافتراضية التسهيل من عمليات المتابعة الدورية للحالات المزمنة. فمن خلالها، يمكن للمرضى الإبلاغ عن الأعراض التي يشعرون بها وتلقي التعديلات اللازمة على علاجاتهم والحصول على الاستشارات الخاصة بأنماط الحياة الصحية عن بعد. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن يسهم الطب الإلكتروني في تخفيض تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 30% وتحسين النتائج العلاجية للمرضى.
تتيح الأجهزة التي يمكن ارتداؤها مثل الساعات الذكية وأدوات متابعة اللياقة البدنية القياسات الحيوية للمرضى مثل معدل ضربات القلب والضغط ومستوى الجلوكوز في الدم. ويمكن مشاركة هذه البيانات آنيًا مع مقدمي خدمات الرعاية الصحية لضمان التقييم المستمر والتدخل في الوقت المناسب. كما تتابع التطبيقات الصحية على الهواتف المحمولة الالتزام بالدواء الموصوف، وإصدار تنبيهات بمواعيد الدواء أو الزيارات الطبية. وتوفر هذه التطبيقات المصادر التعليمية حول كيفية إدارة الأمراض المزمنة. وقد كشفت دراسة أجراها الاتحاد الدولي للسكري أن استخدام التطبيقات الصحية على الهواتف المحمولة لإدارة مرض السكري قد ساهم في تحسين متوسط السكر التراكمي في الدم* بحوالي 0.5% في المتوسط.
ومن خلال استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، يمكن لمقدمي الرعاية الصحية التنبؤ باتجاهات الأمراض، وتحديد المرضى الأكثر عرضة للمخاطر والتدخلات الأنسب للتعامل مع حالاتهم. ويمنع اتباع هذا النهج الاستباقي أية مضاعفات ويحسن النتائج العلاجية. ويمكن للمنصات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المرضى لتعديل خطط علاجهم وفقًا للحالة الصحية لكل مريض ما يزيد من فعالية طرق وأساليب إدارة الأمراض المزمنة. فعلى سبيل المثال، يمكن للتحليلات التنبؤية تحديد المرضى الأكثر احتياجًا لتلقي العلاج داخل المستشفيات ما يسمح بالتدخل المبكر ويقلل من معدلات دخول المستشفيات بنسبة 20%.
من خلال الدمج بين استراتيجيات الصحة الرقمية، يمكن لنظم الرعاية الصحية التخفيف من الضغط الذي تتسبب فيه زيادة انتشار الأمراض. كما تعزز هذه التقنيات من الاستخدام الأمثل للموارد وتقلل من معدلات دخول المستشفيات وتزيد من مشاركة المرضى في إدارة حالاتهم الصحية. فعلى سبيل المثال، يمكن للمتابعة الصحية عن بعد الكشف المبكر عن علامات التدهور في الحالات المزمنة، ما يتيح التدخل في الوقت المناسب وبالتالي تجنب الحاجة إلى دخول المستشفيات. فضلاً عن ذلك، يمكن للرعاية الصحية الرقمية التسهيل من عملية التحول من نموذج الرعاية الصحية التفاعلية إلى نموذج الرعاية الصحية الاستباقية. فبدلاً من معالجة القضايا الصحية فور ظهورها، يمكن لمقدمي خدمات الرعاية الصحية توقع المشكلات والتدخل بشكل مبكر لعلاجها، ما يحقق نتائج صحية أفضل ويقلل تكاليف الرعاية الصحية.
يتعين على منظمي قطاع الرعاية الصحية إعطاء الأولوية لتبني استراتيجيات الصحة الرقمية في إدارة الأمراض المزمنة. وينطوي ذلك على إصدار سياسات داعمة والاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص بهدف زيادة استخدام أدوات الصحة الرقمية.
يجب على الحكومات تطوير اللوائح التي تدعم الطب الإلكتروني والابتكارات في مجال الصحة الرقمية بما يضمن إتاحتها للجميع بتكلفة ميسورة ودمجها في أنظمة الرعاية الصحية الوطنية. ويعتبر الاستثمار في البنية التحتية الرقمية بما في ذلك الاتصال بالإنترنت وبرامج المعرفة الرقمية ضرورة لضمان تطبيق تقنيات الصحة الرقمية على نطاق واسع. ويمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تعزز من الابتكار في مجال الحلول الصحية الرقمية والتوسع في تطبيقها. وقد يسهم التعاون بين الشركات التقنية ومقدمي خدمات الرعاية الصحية وشركات التأمين في تسهيل عملية تطوير الآليات الفعالة في مجال الصحة الرقمية وضمان تعميمها.
في شركة ألما للرعاية الصحية، نركز على توفير خدمات رعاية صحية رقمية سهلة الاستخدام تشمل الاستشارات عن بعد، والتحاليل المختبرية في المنازل، وإتاحة سبل إدارة الأمراض المزمنة وضمان فعاليتها. في العام الماضي، نجحنا في تقديم خدماتنا الصحية لأكثر من 100,000 مستخدم.
على سبيل المثال، دمرت مستشفى الشفاء، وهي أكبر مستشفى في القطاع، وخرجت تمامًا عن الخدمة. واضطر الطاقم الطبي في المستشفى الوحيد الذي لا يزال يعمل في محافظة دير البلح إلى وقف عمليات الإنقاذ بسبب أوامر الإخلاء وزيادة التدخل العسكري.
وقد أكدت منظمة الصحة العالمية على أهمية توفير الاحتياجات الملحة في هذه المستشفيات، بصفة خاصة الطواقم والمستلزمات الطبية والأسِرة. وقد أشار تيدروس أدحانوم غيبرييسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، إلى ضرورة حماية مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها والمرضى من القصف والاعتداءات العسكرية.
في ظل هذه التحديات، يمكن لتقنيات الصحة الرقمية أن تلعب دورًا فعالاً في توفير خدمات الرعاية الصحية العاجلة لسكان القطاع. فمن خلال ربط الأخصائيين من مختلف أنحاء العالم بالمرضى في القطاع، يمكن أن تساهم تقنيات الرعاية الصحية الرقمية في ضمان حصول المرضى على الرعاية التي يحتاجونها على الرغم من المعوقات على الأرض. وقد تتيح الاستشارات عن بعد للمرضى في قطاع غزة تلقي الرعاية المتخصصة بدون الحاجة إلى السفر، والذي يخضع عادة إلى الكثير من القيود.
وقد يكون ذلك مفيدًا أيضًا في إدارة الأمراض المزمنة والتي تتطلب متابعة دورية من المتخصصين. كما تساهم الأجهزة القابلة للارتداء وتطبيقات الرعاية الصحية على الهواتف المحمولة في متابعة القياسات الصحية للمرضى بشكل آني، ورصد حالتهم والتدخل في الوقت المناسب.
وختامًا، تحتم الزيادة العالمية في معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة على الدول تبني استراتيجيات الصحة الرقمية لإدارة هذه الأمراض بفاعلية. وفي المناطق الأخرى مثل قطاع غزة، حيث يتعرض نظام الرعاية الصحية إلى ضغط شديد، يمكن أن توفر خدمات الصحة الرقمية حلاً يربط بين المرضى وأساليب الرعاية التي يحتاجونها، ما يخفف من العبء الملقى على عاتق مرافق الرعاية الصحية المحلية.