الصناعات الإبداعية ودورها في إحداث تحولات اقتصادية وثقافية
ما هي الصناعات الإبداعية؟
وبخلاف التأثير الاقتصادي، تسهم الصناعات الإبداعية في التطور الثقافي وتعزيز التواصل وإحداث التغيرات الاجتماعية. ومع زيادة نمو وتطور التكنولوجيا الرقمية، تزيد فرص دمج مجالات مثل الأفلام، والرسوم المتحركة، والتصميم، والموسيقى، والإعلام التفاعلي في قطاعات التعليم، والرعاية الصحية، والنشاط السياسي، والتطور الحضري. وتدعم هذه القطاعات التعاون بين مختلف التخصصات، وهو ما يتيح الوصول إلى المعرفة، ويعزز تقنيات رواية القصص، ويساهم في إيصال الأصوات المهمشة، فضلاً عن مساهمة هذه القطاعات في الحوارات العالمية والتأثير على الرأي العام ودعم مناصرة القضايا من خلال الأدوات السردية والمرئية المؤثرة.
الصناعات الإبداعية: منهج جديد في التعليم

خبرتي في مجال الصناعات الإبداعية
على مدار العشرين عامًا الماضية، عملت عن كثب في مجال الصناعات الإبداعية من خلال المشاركة في تأسيس المبادرات والمشروعات الناشئة غير رسمية قبل تأسيس “مصنع الرسوم المتحركة” – وهي شركة خاصة تم تأسيسيها وفقًا لنموذج أعمال مستدام. وباعتبارها أكثر من مجرد مؤسسة إبداعية، تلعب الشركة دورًا أساسيًا في تطوير قطاع المنتجات السمعية والبصرية من خلال تنمية المواهب المحلية ودعم نمو القطاع. وعلى مدار هذه الرحلة، نجحت في جمع فريق عمل قوي وتأسيس شبكة كبيرة من الفنانين المحليين والدوليين. ونتعاون معًا في مختلف المشروعات وهو ما يسهم في إثراء المشهد الإبداعي من خلال خبراتنا المشتركة.

باعتباري فنانًا ومخرجًا في مجال الرسوم المتحركة، تعاونت مع فريق متنوع من الفنانين والفنيين والحرفيين لخلق محتوى رسوم متحركة عالي الجودة يبرز السرديات المحلية ويعالج القضايا الاجتماعية الملحة. وأتناول في عملي مختلف الأنماط والأشكال مع التركيز بصفة خاصة على تطوير محتوى رسوم متحركة فلسطيني.
وإلى جانب الإخراج، كرست جزءًا كبيرًا من مستقبلي المهني للتدريب في هذا المجال من خلال تعريف مئات من الأطفال والشباب وفناني الرسوم المتحركة الواعدين بفن رواية القصص من خلال الرسوم المتحركة. وأحرص على مساعدتهم على التعبير عن سرديتهم والتفاعل مع البيئة المحيطة بهم من خلال تزويدهم بالمهارات والأدوات اللازمة لذلك. كما أشرف على طلاب الفن والتصميم فضلاً عن حديثي التخرج لمساعدتهم على تنمية مهاراتهم المهنية ودخول عالم الصناعات الإبداعية دائم التطور.
نمو الصناعات الإبداعية في الشرق الأوسط
وينمو حاليًا أيضًا قطاع الصناعات الإبداعية القاعدية بوتيرة ثابتة في دول مثل فلسطين، ولبنان، ومصر، والأردن؛ حيث يلعب المنتجون المحليون دورًا كبيرًا في تطوير مجالات الموسيقى والأفلام والفنون المرئية والإعلام المستقل. فعلى الرغم من مواجهة العقبات ذات الصلة بتوافر الموارد، تزدهر هذه المجتمعات الإبداعية بفضل المبادرات المجتمعية التي تتسم بالديناميكية وتوفير الموارد الذاتية.
الصناعات الإبداعية في فلسطين: التحديات والفرص
واليوم، تلعب الصناعات الإبداعية دورًا محوريًا أكثر من أي وقت مضى. ففي مشهد تتنازع فيه السرديات، أصبح الإعلام الرقمي والأفلام والرسوم المتحركة والسرديات المرئية أدوات فعالة لمشاركة التجارب الفلسطينية مع العالم. ولا تدحض هذه الوسائط المعلومات المغلوطة فحسب، ولكنها أيضًا توثق التاريخ وتحفظ الهوية الثقافية، إذ يستخدم الفنانون الفلسطينيون وصناع الأفلام والمصممون أعمالهم كأدوات للمقاومة من خلال التحكم في سرديتهم وكيفية التعبير عنها وتحدي محاولات طمس هويتهم والتأكد من إيصال صوتهم عبر مختلف المنصات العالمية. وفي الوقت الذي تنتشر فيه المعلومات حول العالم من خلال الوسائط الرقمية والإبداعية، أصبحت هذه الصناعات أكثر أهمية في تأكيد السردية الفلسطينية والمطالبة بالعدالة لقضيتهم.


وعلى الرغم من هذه المعوقات، يتمتع الشباب الموهوبون بإمكانيات تساعدهم على النمو في مجال الاقتصاد الإبداعي. وتوفر المنصات الرقمية الفرصة للفنانين والمبدعين الفلسطينيين للوصول إلى الجمهور الدولي وتجاوز الحدود المكانية. كما تسهم الصناعات الإبداعية في فلسطين، بسبب ثراء تراثها الثقافي وتميز سرديتها، إسهامًا قيمًا في الساحة الثقافية العالمية إذ توفر رؤى متميزة لها أصدائها على مستوى العالم.
فتح الآفاق أمام الصناعات الإبداعية وتعزيز تواجدها على الساحة العالمية
يتطلب تعزيز مكانة الصناعات الإبداعية في فلسطين تطوير منظومة تمكن الفنانين والحرفيين والمهنيين من التعاون وبناء مجتمعات متنوعة تتمتع بالمهارات المتخصصة. فمن خلال دعم الشبكات التعاونية والمراكز الإبداعية، يمكن للمتخصصين إيجاد الموارد وتبادل المعرفة ودعم بعضهم البعض لخلق قطاع أكثر ترابطًا ومرونة.
ومن خلال اتباع هذه الإجراءات، يمكن أن تبني فلسطين اقتصادًا إبداعيًا تنافسيًا يتناسب مع المتطلبات العالمية، لا يهتم بتشجيع الإبداع والنمو الاقتصادي فحسب، ولكن يحفظ أيضًا تراثها وهويتها الثقافية الفريدة.